حكاية رحلة الآثام بقلم منال سالم
المحتويات
رأسها وهي تؤكد مرة أخرى لنفسها رغم إحساس المهانة الذي عشش في قلبها
أهوو درس اتعلمت منه!!
بجسد مشدود وكتفان منتصبان وقف سامي خلف مقعد أبيه بمسافة خطوة ينتظر في صمت تام انتهائه من مراجعة الملفات الموضوعة على مكتبه قبل أن يزيل كل واحدة منها على حدا بتوقيعه. للحظة ناوش عقله أمنية واحدة ملحة لا يكف عن التفكير فيها أبدا أن يصبح وريث ذاك العرش الوحيد المتحكم في إمبراطورية الجندي ما لبث أن تبخرت أحلامه حينما أعلنت السكرتيرة عن وصول شقيقه الأصغر وتواجده بالخارج تصلب في وقفته وراحت حواسه تتأهب في تحيز مناهض له. أصبحت ملامحه تميل للامتعاض الشديد ونظراته للحدة حينما
ألقى والده قلمه الحبري من بين أصابعه ونظر إليه هذه النظرة المعنفة قبل أن يلومه
لسه فاكر إن ليك عيلة
لاذ مهاب بالصمت وسار على مهل قاصدا مكتب أبيه الضخم بينما استغل سامي الفرصة ليوبخه هو الآخر كما لو كان يوغر بذلك صدر والده ويحفزه ضده فيتخذ موقفا مناوئا ومعاديا له فهتف به في تجهم ساخط
تحولت أنظار مهاب إليه رمقه بنظرة ڼارية قبل أن يرد بهدوء تشوبه سمة العنجهية
أنا مش مستني رقيب يقولي أعمل إيه ومعملش إيه يا سامي.
تابع تقدمه تجاه المكتب إلى أن أصبح في مواجهة شقيقه لم يبعد ناظريه عنه وتابع بغرور يليق به
أنا مهاب الجندي وعارف يعني إيه إني أكون ابن فؤاد باشا الجندي!!
وعشان أخيب ظنك أنا مش مقضيها فسح وتضييع وقت زي ما إنت فاكر.
فتح قفلها ليتمكن من إخراج عدة ملفات بها استقام واقفا ثم خاطب والده بتوقير
اتفضل يا باشا.
زر فؤاد عينيه متعجبا وهو يأخذ منه الملفات
إيه دول
أجابه باسما في ثقة كاملة
بفم مفتوح وملامح مبهوتة حملق سامي في شقيقه مصډوما حيث برزت عيناه في محجريهما وهو يكاد لا يصدق ما يتفوه به. زاد تأثير الصدمة على قسماته عندما تابع توضيحه المتباهي
وده عقد شراكة مع مؤسسة ... لتصدير إنتاجنا ليهم بضعف سعر السنة اللي فاتت.
أما ده بقى...
لم يتركه والده يكمل جملته لنهايته حيث قاطعه ملتفا برأسه نحو ابنه يخاطبه بنوع من المقارنة
شايف أخوك يا ريت تتعمل منه.
ازدرد ريقه بصعوبة وقال واضعا بسمة مهزوزة حاول عبرها إخفاء حنقه المغتاظ منه
استمرت النقاشات حول الإنجازات التي جاء بها مهاب من خارج البلاد لعدة دقائق قبل أن يغير سامي الحوار لموضوع آخر بقوله النزق
كويس إنه موجود عشان نفاتحه في موضوع الجواز.
رفع بصره إليه متسائلا في دهشة مستهجنة
جواز!!
حينئذ تكلم فؤاد موضحا
أيوه أخوك شايف عروسة مناسبة ليك فيها كل المواصفات المطلوبة.
سكت لهنيهة لينطق بتريث جعل من حوله يصاب بالصدمة وعيناه مرتكزتان على وجه شقيقه
معلش يا سامي أنا مضطر أرفض العرض
بتاعك.
استشاط الأخير ڠضبا مما اعتبره تمرده غير المقبول وهاجمه في الحال
إنت عارف دي تبقى بنت مين!!
ثم حدجه بنظرة احتقارية مملوءة بحقده العميق تجاهه قبل أن يتم جملته
هي لولا إنها عاوزاك مكونتش تحلم تتجوزها.
رد عليه ببرود تام قاصدا إهانته كذلك
ده لأن طموحك على أده.. زي مخك.
لم يتحمل ازدرائه بهذه الوقاحة فصاح به بنبرة مرتفعة وهو يرفع إصبعه في وجهه مهددا
اتكلم عدل معايا!!
تجاهله عن عمد واستدار مخاطبا أبيه
اسمحلي يا بابا أفهمك وجهة نظري.
كان لا يزال فؤاد على هدوئه الحذر فأردف وهو يسترخي في مقعده الوثير
أنا سامعك.
عدل مهاب من وضعية جلوسه وأصبح أكثر انتصابا بظهره وهو يستفيض شارحا
أنا معروف عني برا إني دكتور ناجح من عيلة كبيرة ليها سمعة زي البرلنت مش أي حد يقدر يناسبهم فطبيعي أكون محط أنظار بنات كتير وخصوصا لو كانوا بنات الأمراء وأصحاب السلطة.
حانت منه نظرة جانبية نحو شقيقه الحانق قبل أن يعود للتحديق في وجه والده متابعا بنبرة مؤكدة
وأظن دول مش أي حد أنا بس بدور على واحدة فيهم تقدر تدي لعيلتنا مش تاخد مننا.
فاعذرني يا فؤاد باشا لو كنت مأخر الجواز ده.
منحه والده نظرة غامضة ومع ذلك استمر يقول بنفس اللهجة الثابتة والواثقة
أنا راجل عملي وببص لقدام.
ظن سامي أن والده سيثور عليه سيؤنبه وربما يهدده بحرمانه من مزايا الانتساب لعائلة الجندي جراء معارضته للأمر لكنه صعق كليا عندما عنفه محولا الدفة ضده ليصبح في موضع تقصير
شايف دماغ أخوك يا ريت تتعلم منه.
عندئذ نهض مهاب واقفا ألقى ببسمة متشفية ناحية شقيقة ليعاود التطلع إلى أبيه متسائلا
تؤمر بحاجة تانية يا باشا
أجابه بالنفي المشروط
لأ بس مستنيك على العشا.
هز رأسه في طاعة وهو يخبره
طبعا ليا لي الشرف.
مرة ثانية سلط نظره على شقيقه ليرمقه بهذه النظرة الشامتة ثم ودعه
سلام يا سامي!
ليك يوم يا مهاب!!!
يتبع الجزء الثاني من الفصل الثامن
الفصل الثامن الجزء الثاني
اللعبة الوضيعة
هدأت خواطرها المزعوجة إلى حد كبير بمرور عدة أيام فكان إنهاك نفسها ما بين الدراسة والتدريب كفيلا بإعطاء عقلها هدنة مؤقتة لعدم التفكير فيما يؤرقها أو حتى في تقريع نفسها
كويس إني لاقيتك.
استدارت ناظرة إلى صاحب الصوت المألوف فقالت بتعابير جادة وبنبرة رسمية للغاية
خير يا دكتور ممدوح
تقدم ناحيتها وهو يحمل في يده عددا من الكتب الضخمة
أنا عديت عليكي كذا مرة بس مكونتيش موجودة.
بررت له بنفس الطريقة المتحفظة
أيوه كان عندي آ...
لم يمهلها الفرصة للشرح حيث قاطعها قائلا وعلى وجهه هذه الابتسامة الصافية
مش مشكلة اتفضلي.
نظرت إلى ما يحمله باندهاش متحير ثم سألته
إيه دول
تحرك متجاوزا إياها ليتجه نحو مكتبها وضعهم بحذر على سطحه ونظر إليها موضحا بهذا الوجه المبتسم
بصي يا ستي دي مراجع وكتب متخصصة هتساعدك في دراستك.
تبعته عائدة إلى مكتبها ثم راحت تتفقد كل كتاب على حدا وقالت في تعبير ذاهل وهي تجول بعينيها المتشوقتين بين أغلفتهم
دول إصدار حديث!!
أكد لها أيضا بنظرة مهتمة
أيوه ومحدود مش مع أي حد.
أنا مش عارفة أقول لحضرتك إيه أنا هحافظ عليهم زي عينيا.
رد بما يشبه النصيحة وهو يشير لها بسبابته
المهم تستفيدي منهم.
بلا تفكير أخبرته
أكيد دول كنوز.
عرض عليها في لباقة وقد تأهب للخروج
تعالي أوصلك في طريقي.
ترددت للحظة متذكرة كيف استغلت ابتهال الفرصة لتفسير الموقف على هواها وبما يسيء
مافيش داعي تتعب نفسك في عربية بتوصلني.
رأى كيف تغيرت ملامحها للرسمية فاعتقد أن فسحتهما الأخيرة قد أصابت الهدف من ورائها وأفسدت ما نما بينها وبين مهاب من ود وتقارب لذا تعمد اللعب على نفس الوتيرة المحاذرة معها وقال بعد نحنحة سريعة
مش حابب أكون بضغط عليكي بس لو ده يريحك فأنا معنديش مانع.
استحسنت تفهمه لموقفها فاستطردت ممتنة
شكرا على الكتب والمراجع.
لم تخبت ابتسامته المهذبة المرسومة على ثغره وأردف وهو يهم بالخروج
دي حاجة بسيطة عن إذنك يا دكتورة.
شيعته بنظراتها المتشككة إلى أن اختفى عنها لتعاود المكوث بمفردها في غرفتها وهي شبه حائرة في شأنه. تساءلت بصوت خفيض كأنما تفكر فيما يراود عقلها من أفكار متصارعة
يا ترى ده عاوز مني إيه!
كان الوقت أوان العشاء تقريبا حينما شعرت بالإرهاق وبالنوم يزحف إلى جفنيها لتشعر بثقل رأسها وتبدأ في التثاؤب. فها هي عطلة أسبوع أخرى تمضيها بين الكتب والمراجع والملخصات موهمة نفسها بأنها بذلك تقوم بتعويض ما فاتها لتحقق نتائج طيبة في دراستها.
إنتي هتنامي دلوقتي
ردت باقتضاب وهي تستلقي على الفراش بعدما أزاحت الغطاء
أيوه.
مش هنسهر شوية مع بعض
جاوبتها بصوت متكاسل
لأ.
جلست ابتهال على حافة الفراش مجاورة لها تتأملها مليا بنظرات طويلة غريبة فقد جال بخاطرها بعد تفكير عميق أن تستفيد مثلها من صحبة الأثرياء وتنال ما يخدمها وينقلها
ده إنتي حتى ما بترضيش تخرجي معايا!
نفخت في صوت مسموع ودمدمت بتأفف
مش فاضية.
لكزتها ابتهال في ساقها متسائلة في سخافة وشعورها بالغيرة الممزوجة بالفضول يتفشى فيها
بقولك إيه أومال الدكتور إياه الحليوة مافيش أخبار عنه
لم تحبذ تهاني التطرق إلى سيرة مهاب نهائيا خاصة مع هذه المتطفلة المزعجة يكفيها أنها استطاعت تجاوز ما عانته بصعوبة لذا أولتها ظهرها مهمهمة في وجوم مقتضب
معرفش.
ألحت عليها في استنكار سمج رافضة تمرير الأمر دون التحري أكثر عن تفاصيله
معقولة ده إنتي المفروض تمسكي فيه بإيدك وسنانك...
بجهد عظيم حاولت تهاني سد أذنيها عما تتفوه به لكن ابتهال تابعت مضايقتها باستفاضتها النزقة
تعرفي أنا سألت عنه زمايلي وقالولي إنه حاجة أبهة في العليوي خالص وأبوه باشا من
بشوات زمان.
مرة ثانية وكزتها بخفة في ساقها لتثير انتباهها وهي لا تزال تثرثر
ده إنتي تبقى أمك دعيالك لو ده حصل.
مش عاوزة أسمع حاجة عنه خالص فيا ريت تسكتي!!
لم يشبع ذلك فضولها الجائع لمعرفة أصل الموضوع وتفاصيله فتساءلت بوقاحة
ليه بس
هدرت بها بانفعال مبرر وهي تدفعها بيدها لتجبرها على النهوض من جوارها
مايخصكيش!
فقدت آخر ذرات تحملها انتفضت ناهضة بتعصب من على الفراش وهي تصرخ بها
هو إنتي عاوزة تعملي حوار من غير حاجة
ثم أمسكت برسغها لتشدها بقسۏة فتجبرها على النهوض وصوتها لا يزال صارخا
كفاية بقى حلي عن دماغي وقومي من هنا.
تحركت ابتهال مبتعدة عنها وهي تزم شفتيها مرددة بغير رضا
براحتك .. إنتي الخسرانة!
لكنها توقفت عند عتبة الغرفة مستطردة بسماجة
صحيح التلاجة معدتش فيها أكل كفاية عاوزة فلوس أشتري بيها اللي ناقص.
اشتد بها غيظها منها فعجزت عن تحمل المزيد منها لذا اڼفجرت مفرغة فيها كامل عصبيتها المكبوتة
يعني أنا طول اليوم برا ولما برجع بنام على طول تقريبا مابفتحش التلاجة دي خالص وإنتي كل يوم والتاني هاتي فلوس هو في إيه!!!
ردت ببرود استفزها أكثر
مش احنا شركا
أخبرتها صراحة وهي ټضرب كفها بالآخر
لأ خلاص كل واحد في سكة.
يعني إيه
رغم أنها لم تضع ذلك القرار في الحسبان قبل وقت سابق إلا أنها شعرت بحتمية تنفيذ الأمر إراحة لنفسها من ملاحقتها الخانقة لها فأكدت لها ما سمعته بعزم شديد
أنا من بكرة هدور على مكان أكون فيه لواحدي وبراحتي.
اڼصدمت من قرارها المباغت واحتجت متسائلة في استهجان
ليه كده يا تهاني أنا زعلتك في إيه بس
لم تراوغ أو تجمل كلامها عندما أجابتها
ببساطة كده مش مرتاحة معاكي.
المزاح كان مستبعدا في هذا الشأن رأت ابتهال في عينيها تصميما عجيبا على فعل ما انتوته بشكل قطعي مما هدد مخططاتها التي ترسمها لمشاركتها جزءا من الترف الذي تحياه بمفردها فاستعطفتها بدموع زائفة
هو عشاني بس عشرية حبتين ده احنا المفروض نكون سند لبعض.
أجهشت بالبكاء المصحوب بنحيب مرتفع وهي تلومها
حرام عليكي كده تكسري بخاطري ولا عشان بقيتي مسنودة من رجالة غريبة عننا!!
جملتها الأخيرة
متابعة القراءة