حكاية كنت معاها بقلم الكاتبة شهد محمد جادالله
المحتويات
قبل ما ېموت
طالعه أبيه بنظرة صقرية نافذة ثم قال بجدية شديدة
انت عارف لو كان الخبر ده انتشر واتسرب للإعلام كان هيحصل إيه
تخيل كده عناوين الأخبار اللي كانت هتنتشر وهتمس سمعتي ومركزي السياسي الحساس
حاول أن يبرر من جديد ولكن أبيه أخرسه قائلا بصرامة و بقرار قاطع كحد السکين
طول ما هي على ذمة راجل تاني يبقى تبعد عنها نهائي وتحط في اعتبارك لو محصلش هرجعك تعيش مع امك انا زهقت من مشاكلك و فضايحك اللي ملهاش اخر
بس يا بابا انا
من غير بس ده أمر مش بخيرك
وبحذرك متغلطش علشان متشوفش مني تصرف تاني مش هيعجبك ابدا
قاطعه ابيه بنبرة قوية صارمة جعلته ينكس رأسه دليل على طاعته الجبرية قبل أن يغادر إلى غرفة مكتبه تاركه يهوى على أحد المقاعد يفكر كيف سيتمكن من التخلص من ذلك ال
صباح يوم جديد يخبئ بين طياته الكثير
فقد كانت هي جالسة على طاولة الطعام وبسمات هادئة ترتسم على ثغرها كل حين وآخر كلما تذكرت فحقا أعادها ذلك اليوم إلى طفولتها التي لم تحظ بها أي اهتمام فقد استمتعت كثيرا برفقته وبرفقة الصغيرة فكل شيء حينها كان مميز كثيرا توردت وجنتها خجلا عندما أتت ومضة أمام عيناها تذكرها حين كانت تصرخ بهلع وتحتمي به وكأنه هو درع أمانها الوحيد
أخرجها من شرودها صوت دعاء الساخر بعدما انضمت لتوها لطاولة الطعام تنهدت هي واستندت على ظهر مقعدها وأجابتها
عادي يا دعاء انا كويسة
اعتلى جانب فم دعاء ساخرا وهدرت بتطفل كعادتها متقمصة دور الأم المهتمة الذي لا يناسبها بالمرة
كويسة ازاي وأنت كل ساعة بحال ده غير أنك مسهمة وبتضحكي من غير سبب بجد حالتك بقت صعبة و ميتسكتش عليها انا معرفش ليه رافضة فاضل يعرضك على دكتور نفسي
انا مش مچنونة علشان اتعالج ومش مضطرة أدخل معاك في جدال يضايقني ويغير مودي وياريت ملكيش دعوة بيا
تنهدت دعاء بضجر من طريقتها وإن كادت تتحدث مرة أخرى تدخل فاضل الذي أنضم لهم لتوه
متعصبة ليه بس يا حبيبتي
تنهدت ميرالبعمق وهي تنظر ل زوجة أبيها وقالت
اعتلى حاجب دعاء ودافعت عن ذاتها قائلة
انا مكنش قصدي اللي هي فهمته انا كنت عايزة اطمن عليها وأعرفها مصلحتها
زفر فاضل بقوة ورشق دعاء معاتبا
فطالما طلب منها أن تدعها وشأنها ولا تضغط عليها ولكن هي بادلته نظراته بأخرى ذات مغزى جعلته يتحدث ولكن موجه حديثه لأبنته
دعاء بتحبك وعايزة مصلحتك زي بالظبط ويمكن شايفة يا بنتي أن ده حل مناسب
رغم أنها تعلم مكانتها بقلب أبيها وتشعر بحنوه عليها إلا أنها تعلم ايضا أن زوجته تملك سلطة عليه ولطالما كان ينحاز لها ويبرر تدخلها المقيت بحياتها كونه خوف يصب في مصلحتها وحقا هي سئمت كل شيء لذلك تأففت بنفاذ صبر
يووووه كفاية بقى انا مش مچنونة مش
مچنونة وكفاية تضغطوا على اعصابي
حاول أبيها منعها ولكنها لم تستمع له بل حقيبتها وركضت نحو الخارج وهي تشعر أن ضجيج رأسها يعود من جديد
كان يقف هو ينتظرها ككل يوم ولكن اليوم كان لرؤيتها على غير عادته فمنذ أمس لم تغب عن تفكيره لحظة واحدة حتى انه لم يبالي بمنطقه الذي يحثه على عدم التورط بها و دون ارادة منه وجد ذاته لا يود أن يفكر في مسمى أخر لم يحدث بينهم واخذ يقنع ذاته أن شهامته فقط ووعده لها هم السبب بتلك المشاعر المتضاربة التي تجتاحه نحوها تنهد بعمق وببسمة هادئة وهو يلمحها من بعيد تهرول نحوه ولكن عندما لاحظ هيئتها شعر أنها ليست على ما يرام ولذلك خبت بسمته
تدريجيا وقبل أن يسألها مابها كانت تصعد إلى السيارة وتجلس بالمقعد بجانبه وتقول بنبرة استشف الحزن بين طياتها
اطلع بالعربية لو سمحت
أومأ لها بطاعة وحاول جاهدا أن يكبح فضوله اللعېن نحوها غافل أن ذلك الفضول سيكون سبب نكبته
وها هي بعد بعض الوقت شاردة تستند على مقدمة السيارة في ذلك المكان النائي على تلك الهضبة الشاهقة التي كلما ضاقت بها السبل تأتي إليها فبعد مغادرته معها طلبت منه أن يوصلها لهنا وظلت هائمة بعيد في عالم آخر لا تعبئ أن فضوله يكاد يفتك به ليعلم ما بها والعديد من الأفكار السوداوية تداهمه وعندما يأس من صمتها قرر أن يكبح فضوله وتساءل بنبرة صدرت مهتمة للغاية وهو
هتفضلي ساكتة كده كتير
تنهدت ولم تجيبه ليتنهد بنفاذ صبر ويتمهل بضع ثوان ثم يقول بنبرة هادئة وهو يركز نظراته على تلك الإطلالة الرائعة التي تكشف البلد من عليائها
مش عايز اضايقك ولا قصدي اتطفل عليك بس لو أنت حابة تفضفضي معنديش مانع اسمعك وللنهاية
لم تجيبه أيضا بل كانت تتنهد تنهيدات مثقلة وتغمض عيناها وكأنها بعالم موازي ولا تكترث غير لنسمات الهواء التي تداعب وجهها وجعلته دون أي قصد يهيم
بها وبتلك الخصلات التي تتراقص مع الهواء وتراقص قلبه معها بسنفونية غريبة غير منطقية بالمرة بالنسبة له
لعڼ غبائه حين أطال النظر لها ثم ازاح برأسه بعيدا كي ينفض تلك الهواجس التي يستحيل تحقيقها وإن كاد ينسحب لداخل السيارة ويتركها لخلوتها همست هي پضياع
هو انا مچنونة يا محمد
جعد حاجبيه الكثفين مستغربا سؤالها ثم تحمحم يجلي صوته الأجش وأجابها
لأ أنت مش مچنونة يا ميرال
أمال ليه دعاء شايفة كده وبتخلي بابي يضغط عليا علشان اروح لدكتور نفسي
قالتها بنبرة متخاذلة وبعيون حزينة جعلته يتنهد بعمق ويجيبها بعقلانية شديدة
أنت مش مچنونة ومش كل اللي بيروحو لدكاترة نفسيين مجانين كل الحكاية أنك محتاجة حد يساعدك تفهمي نفسك و ترتبي أفكارك ويغير نظرتك السطحية للأمور
تنهدت تنهيدة آخرى مثقلة وعيناها تتعلق به ثم قالت في إحباط
مش محتاجة حد يقولي إني فاشلة ومستهترة وبغلط كتير انا عارفة ده كويس ومتأكدة إني مستهلش أن حد يحبني ولا
جملتها الأخيرة زلزلت قاع قلبه وجعلته دون أي مقدمات يصرح بتلقائية وهو يطالعها ببندقيتاه التي تفيض بالاهتمام
بس دي مش حقيقة أنت تتحبي واللي ميعرفش يحب ولا زيك يبقى مشكلته هو لأنه أكيد مبيعرفش يميز
نمت شبه بسمة من إطرائه وكم شعرت بالراحة بعدها حين استأنف
وعلى فكرة بقى كلنا بنغلط مفيش حد معصوم من الخطأ وطالما اعترفتي بأخطائك وبعيوبك ومخبتهاش أو نكرتيها يبقى دي بداية طريق التغيير
حاولي متفكريش في كلامهم عنك ولا رأيهم فيك خليك انت اللي رقيبة لنفسك وقبل ده كله لازم ترمي كل حاجة وراك ومتفكريش غير في اللي جاي ومستقبلك وعلشان ده يحصل لازم تتصالحي مع ميرال وتحبيها لأنها فعلا تتحب
كان يتحدث بإندفاع دون تفكير حتى انه لم يلحظ أنه كان يلمح لها بشيء هو ذاته يستنكره و لم يستوعبه عقله بعد أما هي فقد اتسعت بسمتها وهي تستمع له ومأخوذة بحديثه ودون وعي منها وجدت ذاتها تقول بعفوية شديدة
انت ازاي كده
عقد حاجبيه بعدم فهم لتستأنف هي دون أن تعير أنه أصبح على المحاك
كل حاجة معاك بتبقى بسيطة وسهلة وليها ألف حل أنا ببقى مبهوره بتحليلك للمواقف الصعبة اللي بمر بيها وبصراحة رغم أن ليك منطق غريب بحاول استوعبه معظم الوقت لكن بحس براحة أغرب لما بكون معاك
ارتبكت قليلا وأطرقت نظراتها وأخذت تلملم خصلاتها وتضعها خلف أذنها بخجل من تسرعها ولكنه حثها بعينه على المتابعة قائلا
كملي يا ميرال
زحفت حمرة طفيفة على وجهها وهي تطالع بندقيتاه والاهتمام الذي ينضح بها واستأنفت
أنا عمري ما وثقت فحد بالسرعة دي بس مواقفك معايا أثبتتلي أنك راجل بجد وانك جدير بالثقة دي وبجد انا بحمد ربنا أنك في حياتي يا محمد
تلك المرة لم تزلزل قاع قلبه بحديثها بل عصفت به وجعلت كافة قناعاته تنهارإلى أنقاض وبدل أن يسعد بتلميحها وجد ذاته يشرد و يمسد جبينه بأبهامه وسبابته كي
يكبح تلك الهواجس برأسه
لاحظت شروده وهمست بترقب
محمد سكت ليه
عندما همست باسمه بتلك الطريقة أغمض عينه بقوة يجاهد كي يصمد ولا يتخلى عن عقلانيته وإن استعاد رباط جأشه قليلا ابتسم ببهوت وتسأل كي يغير مجرى الحديث الذي يتخطى حدود منطقه
يعني أفهم من كده اني عرفت أقنعك
أومأت له بنعم ثم أجابته بنبرة مترددة بعض الشيء
اقتنعت بس عايزة اطلب منك طلب قبليها
هز رأسه بترحاب لتستأنف أطراف أنامله المسنودة على مقدمة السيارة وتقول وفيروز عيناها يلمع بنظرة راجية
اوعدني أنك متبعدش عني يا محمد مهما حصل
انتفضت دواخله من وعجز عن الرد امام رجاءها فما كان منه غير أن يومأ لها وعيناه تغوص ببحر عيناها وكأنه مسلوب الإرادة
محدش بيهرب من قدره يا ميرال
ابتسمت بارتياح رغم حديثه الذي لم تفهم المغزى منه ونظرت بنظرة حالمة بها
بصيص من التفائل والأمل وشيء ما هناك يؤكد لها أن ذلك المصطلح الذي أطلقته على تقاربهم لا يليق ابدا على تلك المشاعر التي تأكدت انها تكنها له
أما عن صاحب القلب الثائر الذي خذلته تلك المتمردة فقد جافاه النوم وظل على وضعيته تلك حتى ساعات الصباح الأولى يجلس على حافة المسبح بعيون دامية و وجه شاحب شارد في نقطة وهمية بالفراغ وشريط حياته يمر أمام عينه يجعله يلعن ذلك القلب الذي مال لها انتشله من شروده صوت مسعد الحارس
أنت كويس يا بيه
أومأ له يامن وأخبره بإنهاك
مش كويس بس مش مهم المهم إني مبقتش مغفل
طالعه مسعد بحزن وهو ينهض ويدخل المنزل ضارب كف على أخر من تبدل حال رب عمله
بينما هو حين دلف للداخل شعر بالريبة عندما لم يجد والدته مستيقظة كعادتها مبكرا لا يعلم لم أحتل الخۏف قلبه وإن ذهب لغرفتها وجدها كما هي تغط
متابعة القراءة