حكاية كنت معاها بقلم الكاتبة شهد محمد جادالله

موقع أيام نيوز

اكثر ثقة بذاتها وحفزت حماسها وطموحها من جديد وهاهي تجلس منهمكة بعملها على الحاسوب حين دلفت سارة لمكتبها مستنجدة
رهف ألحقيني
قالتها بتأزم جعل رهف تتساءل بقلق
في ايه يا سارة
أجابتها وهي تجلس مواجه لها
في عميل كان طالب تجهيز مكان وبصراحة بقاله أزيد من تلات شهور بأجل فيه وكل ما حد يروح يعاين المكان يرفض يشتغل فيه 
ليه مش فاهمة رفضوا يشتغلوا
تساءلت مستغربة لتجيبها سارة بعمليه
مش ده المهم تأهبت رهف بنظراتها لتستأنف الأخرى
مش هينفع اعتذر منه واجازف بسمعة الشركة وعلشان كده لما كلمني معترض على التأخير وعدته هبعتله اشطر مهندسة عندي 
زفرت هي وخمنت وهي تستند بظهرها على المقعد
اشطر مهندسة دي اللي هو انا مش كده
هزت سارة رأسها بنعم واسترسلت بثقة
رهف أنا واثقة أنك مش هتخذليني وهتبهري العميل
ابتسمت رهف واجابتها وهي تلهو بقلمها
انا ملتزمة بكذا حاجة الفترة دي بس تمام هروح أشوف المكان وبصراحة الفضول هيموتني علشان اعرف المهندسين اللي قبلي رفضوا الشغل ليه
تنهدت سارة براحة بينما هي بالفعل غادرت بواسطة أحد عربات الشركة واصطحبت معها العمال كي يأخذوا المقاسات المطلوبة كي تستعين بها في عمل مخطط يناسب العميل
وحين وصلوا للعنوان المنشود تعجبت كثيرا فكان بمنطقة تقبع بأحد الاحياء الشعبية البسيطة وحتى البناية كانت من تلك البنايات القديمة التي عفى عليها الزمن مهلا الآن تفهمت سبب رفض زملائها ولكن لا بأس بإمكانها تولي الأمر فقد فاتت لداخلها بواسطة ذلك المفتاح التي اعطته لها سارة وسلمه لها العميل وبالفعل بدأت في تفقد المكان وكتب العديد من الملاحظات بدفترها وهي توجه العمال كي ياخذون المقاسات اللازمة
وأثناء انهماكها اتاها صوت رخيم بدى لها أن استمعت له من قبل وتعلم هوية صاحبه
الله ينور يا رجالة
ألتفتت لتتأكد بذاتها وهي مفحومة من تلك الصدفة العجيبة التي جمعتهم فمنذ زيارتها لمنزله برفقة سعاد قبل سفرها منذ أكثر من شهرين وهي تتهرب من ذلك الأعتذار التي تدين به ولا تعرف من الأساس كيف سيصدر منها أو تعبر عنه للآن 
جاءها همسه المتفاجئ ما أن وقعت خضراويتاه عليها
معقول الصدفة دي يا بشمهندسة
ابتلعت ريقها واجابته بتحفظ دون حتى أن تكلف ذاتها عناء الابتسام من باب المجاملة
صدفة غريبة فعلا بس كل شيء ممكن يا دكتور هي العيادة
قاطعها ببساطة وبحركة درامية وكأنه يفتخر بالأمر
ايوة أنا الدكتور البائس صاحب العيادة المنحوسة دي اللي محدش عايز يدق فيها مسمار لدلوقتي
قهقه العمال من حولها بينما هي تنهدت واجابته بكل عمليه
متقلقش بإذن الله هنبدأ الشغل في اقرب وقت
لا براحتكم انا مش مستعجل انا بحب الانتخة عادي وبصراحة حبيت قاعدة البيت
قهقهوا من جديد ولكن تجاهلت دعباته المستمرة وقالت وهي متمسكة بعمليتها وعرضت مقترحاتها
بص يا دكتور أنا عندي رؤية معينة للمكان لو حضرتك عندك وقت ممكن اشرحلك لو لأ هجهز تقرير وافي برسومات واعرضه على حضرتك
لوهلة جمدت خضراويتاه عليها حين باغتته هي بسأم
يا دكتور حضرتك معايا!
هز رأسه قائلا وهو يرفع نظارته الطبية و يدلك منحدر أنفه
اه ممكن اسمع مقترحاتك
تمام
سارت بضع خطوات وتلمست الحيط الذي تأكله الرطوبة قائلة
حضرتك الحيطان كلها محتاجة تأسيس من تاني وأنت اكيد عارف أن مشكلة العمارات القديمة كلها أن سقفها عالي وعلشان كده ممكن بعد التعديل ندهنه بلون غامق علشان يظهر اقل ارتفاع ويدي دفئ للمكان لتؤشر بقلمها لأعلى وتستأنف
و التعرجات لو فضلت باينة في السقف هنستخدم اللون من غير لامعة لتؤشر لأحد الغرف وتضيف
بالنسبة للأوضة الصغيرة دي هتدهن بلون فاتح علشان تبان اكبر وأوضة الاستقبال فهي واسعة كفاية هنوظف فيها المساحات ونعالج الفراغات على أد ما نقدر وطبعا
هيكون في ربط بين الألوان
والفرش والخامات وكل ده تقديره بيكون حسب التكلفة اللي حضرتك بتعلمني بيها 
كان يستمع لها وهو منبهر بعمليتها فمن تقف أمامه للتو يقسم انها خلقت لتكون قوية صامدة وناجحة بكل المقايس لا تلك المرأة الهشة الضعيفة التي شهد على انكسارها فصدق من قال أن القوة الحقيقة تتولد بعد الأنكسار
يا دكتور حضرتك سمعتني 
انتشله صوتها المنفعل وخيل له أنها على وشك أن تنقض عليه تفتك به لذلك رد بخفة كي يخفف حدة الحديث
بغض النظر عن كمية حضرتك اللي في الكلام بس تمام اعملي اللي شايفاه انسب
تنهدت بعمق وردت بإقتضاب شديد وهي تستشيط غيظا من طريقته
تمام
كبت ضحكته بصعوبة على ردود أفعالها وقال بملامح حاول أن تكون جدية
تمام بصراحة متحمس جدا والثقة اللي بتتكلمي بيها خلتني متأكد أن النتيجة هتبقى هايلة 
يعني افهم من كده إني أخدت من حضرتك موافقة مبدئية
زفر حانقا وقلب عينه بملل من تلك الرسمية الممېتة التي تتحدث بها وقال ببساطة دون عناء التكلف
أنا موافق على اي حاجة تقوليها يا بشمهندسة بس بالله عليك أنا عندي فوبيا من الرسميات يعني كفاية دكتور بلاش حضرتك دي مبتنزليش من زور
تنهدت ولم تعقب فقط اكتفت بتدوين بعض الملاحظات بدفترها ثم تركت محيط وقفته لتتأكد من انتهاء العمال ثم دون أن تعير حديثه أي اهمية وكأنها لم تستمع له من الأساس قالت بإقتضاب وبكل تحفظ وكأنها تخبره بطريقة محسوسة أن لا يتعدى حدوده معها
احنا خلصنا عن اذن حضرتك يا دكتور
وقف ينظر لآثارها ببسمة مشاكسةيمسد بسبابته أرنبة انفه كعادة ملازمة له قائلا
دكتور وكمان حضرتك لأ دي قاصدة تضايقني 
الثاني والثلاثون
من السهل أن نتفادى مسؤولياتنا ولكن لن نستطيع أن نتفادى النتائج المترتبة على ذلك 
في خضم كل ما تمر به حاولت أن تهاتفه كثيرا كي تطمئن على أحواله خاصة أنه في تلك المرات التي كان يسأل بها عن يامن وعلم باختفائه انقطعت اخباره عنها تأكلها قلبها عليه وخاصة كونه لم يجيبها لذلك ذهبت لمنزله القريب وها هي تطرق الباب لعدة مرات دون جدوى وإن كادت تيأس وتغادر فتح و تفاجئ بها
خالتي!
طالعت ثريا هيئته الرثة مستغربة ثم عاتبته
ايوة خالتك اللي نستها يا واطي ومهنش عليك تطمن عليها في غياب ابنها
نكس رأسه قائلا بخزي
حقك عليا
مش هتقولي اتفضلي ولا ايه
افسح المجال لها مرحبا
اتفضلي يا خالتي هو أنت محتاجة إذن
تقدمت ثريا بخطوات وئيدة قائلة
انا كنت حالفة مدخل البيت ده تاني بس اعمل ايه قلقت عليك وخۏفت لما اختفيت مرة واحدة
اجابها وهو يتحاشى النظر لها من شدة خزيه
انا زي ما أنت شايفة 
تنهدت ثريا وهي تشمل هيئته الغير مرتبة ابتدائا من خصلات شعره المبعثرة إلى وجهه الشاحب وذقنه المستطالة دون تهذيب وعينه الغائرة وتلك الهالات الداكنة التي تحاوطها وتدل كونه لم ينم ولم يذق طعم الراحة من زمن لتتنهد وتقول وهي تجلس على أحد المقاعد القريبة مشمئزة من الفوضى التي تعم المكان والغبار الذي يكسو كل شيء حولها
هو انت مالك عامل ليه كده وبعدين ده البيت اللي كان بيشف ويرف من النضافة البيت كأنه مهجور مفهوش واحدة ست
لم يجيبها بل ظل منكس الرأس حين تساءلت
هي مراتك هنا
نفى برأسه وقال بخزي من نفسه قبل أي شيء أخر
لأ أصرت تطلق وطلقتها
لوت ثريا شدقيها وقالت متهكمة تذكره بحمئته لها
أصرت أمال فين الحب اللي كانت بتحبهولك وفين مصلحتك اللي كانت ھتموت عليها 
رد بندم
بلاش تزودي همي يا خالتي كفاية عليا اللي حصلي لتحين منه بسمة مټألمة وينعي نواقصه وتلك النعم التي حرم منها
انا غبي وضيعت كل حاجة لا عارف انام ولا أكل ولا أشرب ولا ألبس والبيت زي ما انت شايفة حتى ولادي اتحرمت منهم
سايرته ثريا قائلة
اللي حصل حصل واظن ده كان قرارك ولازم تتحمل عواقبه وبعدين مهما كان ولادك هيفضلوا ولادك و متنساش أن ليهم حق عليك مش معنى أنك طلقت امهم يبقى تنساهم وتاخدهم في الرجلين
انا بټعذب من غيرهم يا خالتي ونفسي اشوفهم واحضنهم واشم ريحتهم بس خاېف رهف تطردني وتكسفني قدامهم
بلاش حجج فارغة روح وشوف ولادك رهف اصيلة ومستحيل تعمل كده 
طب تفتكري في أمل تسامحني
رغم انها تعاطفت معه كأي أم ولكن تعلم حق المعرفة انه يستحق هو من اوصل ذاته لهنا لذلك ردت عليه بصراحة عادلة كي ترضي ضميرها
تسامحك ازاي يا ابني ده أنت حړقت كل المراكب وراك ومخلتش طريق رجعة وبعدين أنت اللي فرطت فيها وعمرك ما عرفت تحافظ عليها وكنت مصمم على اختيارك ومفكرتش حتى تتراجع عنه في سبيل ولادك و كنت بتبرر اللي عملته و بتفرض عليها جوازك من التانية بالعافية وعايزها تتقبل وترجعلك الفلوس وتفضل ذليلة ليك  
وحتى في عز ما كانت مکسورة روحتلها بس علشان تساومها ومفكرتش في حاجة غير مصلحتك
مرر يده بخصلاته وقال بقناعات مازالت راسخة بركن ما من عقله رغم كل شيء
يا خالتي متصعبهاش عليا انا عارف إني غلطت وضعفت وبعدين انا معملتش حاجة حرام انا
اتجوزت ومنكرش إني ندمت 
الندم متأخر ومبقاش يفيد يا حسن
أنت جاية عليا يا خالتي
انا نصحتك كتير وكان عندي أمل تغير من نفسك بس أنت عمرك ما اتعظت ومع ذلك هكلمها يا حسن ومش علشانك لأ علشان العيال و علشان ابقى عملت اللي عليا وربنا يقدم اللي فيه الخير
وعند أخر قولها تهللت اساريره بشدة وهو يأمل في فرصة ثانية تعيد له الحياة  
اتى ذلك اليوم المنتظر وها هي تجلس على ذلك المقعد الوثير المقابل لفراشها التي لطالما استيقظت و وجددته يتأملها من عليه أثناء نومها فقد
فرت دمعة حاړقة كوت وجنتها بنارها ولهيب تلك الذكريات يهلك قلبها وسؤال لعين واحد يتردد برأسها كيف تمكن من خداعها فإن أحبها حقا كيف هان عليه فراقها 
فقد مر على غيابه شهر واربعة عشر يوم وتسع ساعات و دقيقتين وبضع ثوان 
عجاف كادت تفقد عقلها من دونه وملت من احتساب الوقت حتى تملك منها اليأس لدرجة انها اصبحت منطفئة لا تتحدث فقط شاردة ودمعاتها تنهمر من عيناها دون حديث تحتضن ذلك الثوب الذي عثرت عليه بشنطة سيارته بيدها وكأنه كافة احلامها تتجسد به 
انتشلها من بؤسها
دلوف ثريا قائلة بحنو شديد
كل سنة وانت طيبة يا بنتي
رفعت سوداويتاها الذابلة لها وقالت وهي تكفكف دمعاتها و تنهض تعلق فستانها بداخل خزانتها
وانت طيبة يا ماما ثريا
ربتت ثريا على كتفها بود وقالت ببسمة هادئة تواسيها
مش قولنا بلاش عياط حرام عليك نفسك يا بنتي
هزت رأسها واخبرتها بثبات واهي تحاول أن تجيده
أنا كويسة و هبقى احسن
إن شاء الله يا بنتي ربنا هيصلح الحال
أومأت
لها نادين بحركة بسيطة تنم عن إحباطها لتتسأل ثريا
طيب ملبستيش ليه البنات بره مستنينك 
لبست هو فستاني وحش
قالتها وهي تطالع ثوبها الذي انتقته بنفسها لتلك المناسبة البائسة لتجيبها ثريا بعتاب
حلو يا بنتي بس لونه غامق!
علشان اسود يعني عادي يا ماما ثريا كده كده الأيام زي بعض عندي ولولآ ميرال ونغم أصروا عليا مكنتش وافقتهم على فكرة العيد ميلاد اصلا
وفيها ايه بس البنات كتر خيرهم عايزين يفرحوكي وبعدين محدش هيحضر غيرنا
حانت منها
بسمة
تم نسخ الرابط